لا تزال هناك العديد من الأسئلة دون إجابة حول ملابسات محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يوم السبت. وأياً كان مصدر الهجوم، فإن هناك أمراً واحداً مؤكداً وهو أنه سوف يؤدي إلى انحراف المؤسسة السياسية برمتها نحو اليمين بشكل حاد.
وفي تصريحات أدلى بها مساء الأحد، ذكر الرئيس بايدن إن التحقيق جار مع مطلق النار المزعوم، الذي تم التعرف عليه على أنه توماس ماثيو كروكس البالغ من العمر 20 عاماً. وقال بايدن: 'لا نعرف دافع مطلق النار بعد. لا نعرف آرائه أو انتماءاته. ولا نعرف إذا كان لديه مساعدة أو دعم، أو إذا كان تواصل مع أي شخص آخر'.
أشارت ظروف الهجوم، الذي قُتل فيه أحد أنصار ترامب بالرصاص وأصيب اثنان آخران بجروح خطيرة، إلى إهمال أمني خطير، بالنظر إلى أن كروكس كان لديه إمكانية الوصول إلى موقع على السطح مع رؤية واضحة للمكان الذي تحدث فيه ترامب على بعد 150 ياردة، ضمن نطاق البندقية. وتمكن من إطلاق ما لا يقل عن ست طلقات قبل أن يُقتل على يد قناص الخدمة السرية.
وحتى الآن، لا يمكن استبعاد أي سيناريو، نظراً لكثافة الانقسامات داخل النخبة الحاكمة نفسها، حول السياسة الخارجية في المقام الأول.
ولكن حتى في هذه المرحلة الأولية، هناك استنتاجات سياسية محددة يمكن استخلاصها. إن محاولة الاغتيال هي مظهر مركز لأزمة ليس فقط النظام السياسي الأمريكي، بل المجتمع بأكمله.
كما هي الحال دائماً، عندما تواجه المؤسسة السياسية ووسائل الإعلام حدثاً يكشف الصدوع السياسية والاجتماعية العميقة التي تعم الولايات المتحدة، فإنها تلجأ إلى الابتذال والخداع الذاتي. وقد تم تلخيص ذلك في إعلان بايدن يوم الأحد أنه 'لا مكان في أمريكا لهذا النوع من العنف أو لأي عنف في هذا الشأن'.
هذه صورة منمقة للولايات المتحدة كما لو كانت ديزني لاند وليس لها أي علاقة بالواقع على الإطلاق. ففي عام 2022، بلغ عدد جرائم القتل في الولايات المتحدة 21.593 جريمة قتل. هناك فئة محددة من عمليات القتل تُعرف باسم 'أحداث الإصابات الجماعية'. وفي كل عام تقوم الشرطة الأمريكية بإعدام 1000 شخص بإجراءات موجزة تحت ذريعة أو أخرى.
لكن العنف المنزلي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالدور الذي تلعبه الولايات المتحدة باعتبارها المحرض الرئيسي على العنف في العالم. فعلى مدار الثلاثين عام الماضية، بلغ عدد الأشخاص الذين قُتلوا نتيجة الإجراءات المباشرة أو غير المباشرة للحكومة الأمريكية الملايين.
أعلن بايدن عدة مرات أن أعمال العنف السياسي هي انحراف: 'هذا ليس ما نحن عليه' هي عبارته المفضلة. ولعل هذا التصريح هو الدليل الأكثر إقناعاً على شيخوخة بايدن. لقد مر خلال حياته بتجربة العديد من الاغتيالات السياسية، و كان أكثرها أهمية من الناحية السياسية هي تلك التي استهدفت الرئيس جون كينيدي في عام 1963، ومالكولم إكس في عام 1965، ومارتن لوثر كينغ والسناتور روبرت إف. كينيدي في عام 1968. وكما يعلم جيداً، تضمنت هذه الاغتيالات الأربعة مؤامرات حكومية.
كان رد فعل الحزب الديمقراطي وبايدن، على وجه الخصوص، على محاولة الاغتيال جباناً ومرائياً تماماً. ويكفي، في أعقاب هذا الهجوم الفاشل، أن نذكر أن العنف الفردي لا يمكن أن يخدم أي غرض تقدمي، مهما كان هدف المهاجم أو نواياه.
لكن الديمقراطيين يذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك، مع تعبيرات التضامن والثناء وحتى المودة للرئيس السابق الفاشي، الذي أشار إليه بايدن عدة مرات باسم 'دونالد' خلال تصريحاته مساء السبت. ولم يقم أي ديمقراطي حتى بتوضيح نقطة مفادها أن ترامب نفسه لطالما دعا إلى الهجمات العنيفة التي تشنها القوى اليمينية ودعمها.
وفي عام 2017، أشاد ترامب بالنازيين الجدد والفاشيين الذين نظموا مسيرة للعنصريين البيض في شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا. و خلال عام 2020، حرض ترامب على سلسلة من الهجمات المسلحة من قبل مجموعات الميليشيات ضد عاصمة الولاية، في معارضة عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا، مما أدى إلى المحاولة الفاشلة لاختطاف وقتل حاكمة ميشيغان، جريتشن ويتمر. وأشاد ترامب على وجه التحديد بأعمال القتل التي ارتكبها كايل ريتنهاوس، الفاشي المراهق الذي نفذ هجوماً على المتظاهرين ضد عنف الشرطة في كينوشا بولاية ويسكونسن، في عام 2020.
جاءت ذروة العنف السياسي في 6 يناير 2021، عندما اقتحم حشد من الغوغاء الذين استدعاهم ترامب إلى واشنطن م مبنى الكابيتول، سعياً لقتل أو اعتقال أعضاء الكونجرس وحتى نائب رئيس ترامب، مايك بنس، في محاولة أخيرة لقتل أو اعتقال أعضاء في الكونجرس لمنع التصديق على فوز بايدن في الانتخابات وجعل ترامب رئيساً دكتاتوراً
كانت تصريحات بايدن مساء الأحد مليئة بالتفاهات والسخافات الفارغة. وأعلن: “لا يمكننا أن نسمح بتطبيع العنف”. 'لقد حان الوقت لتبريده.' وقال إنه مهما كانت الخلافات، فإن السياسة يجب أن تكون ساحة 'للنقاش السلمي'. 'نحن ندافع عن أمريكا... صاحبة الحشمة والنعمة.'
الحشمة والنعمة!!!! دعمت إدارة بايدن، إلى جانب المؤسسة السياسية بأكملها، الإبادة الجماعية في غزة التي أودت بحياة ما يقرب من 200 ألف شخص، بحسب تقديرات نشرتها مجلة لانسيت الطبية. إن تورط الإمبريالية الأمريكية في حروب القتل في الخارج له تأثير حتمي على الوضع السياسي في الولايات المتحدة نفسها.
رد الجمهوريون دون تردد باستغلال إطلاق النار على ترامب لإلقاء اللوم على الديمقراطيين في التحريض على الهجوم. ورد الديمقراطيون باستسلام ضعيف. ووفقاً لتقرير نشرته رويترز، 'بدلاً من مهاجمة ترامب لفظياً في الأيام المقبلة، سيعتمد البيت الأبيض وحملة بايدن على تاريخ الرئيس في إدانة جميع أنواع العنف السياسي، بما في ذلك انتقادات حادة لـ'الفوضى' التي خلقتها حملةالاحتجاجات في الحرم الجامعي بشأن الصراع بين إسرائيل وغزة'.
إن استجابة الديمقراطيين مدفوعة باعتبارين مهمين. أولاً، هم يسعون دائماً إلى الاحتفاظ بدعم وتعاون الجمهوريين، حتى إذا وصلوا إلى السلطة بعد انتخابات 2024، لمواصلة الحرب العالمية المتصاعدة، وهي الأولوية المركزية لبايدن والحزب الديمقراطي.
ثانياً، يسعى الديمقراطيون بشكل مستمر إلى التغطية على النمو المطرد لردة الفعل السياسية في أميركا، خوفاً من إشعال انفجار اجتماعي. ساد تصريحات بايدن يوم الأحد خوف عميق من انهيار الوضع الاجتماعي والسياسي برمته في الولايات المتحدة.
وهذا ما يدفع النداءات المتواصلة، التي كررها بايدن مساء الأحد، إلى 'الوحدة'، التي أثارها ترامب أيضاً. ومع ذلك، لا يمكن أن تكون هناك 'وحدة' في بلد تمزقه العداءات الطبقية مثل الولايات المتحدة. لا يمكن أن تكون هناك 'وحدة' مع الطبقة الحاكمة التي تندفع بقوة نحو الحرب العالمية والدكتاتورية.
وأشار المرشح الرئاسي لحزب المساواة الاشتراكية جوزيف كيشور في بيان نُشر يوم الأحد على موقع X:
إن الأهمية الحقيقية للدعوة إلى 'الوحدة' هي الدعوة إلى التضامن داخل الطبقة الحاكمة.
ناشد بايدن في دعوته للوحدة، الحزب الجمهوري عدم السماح للانقسامات الفئوية داخل الشركات والأوليغارشية المالية بتقويض مصالح الطبقة الحاكمة ككل، التي تشمل الحرب في الخارج والحرب على الطبقة العاملة في الداخل بوصفهما المكونين الأساسيين. ولتحقيق مثل هذه 'الوحدة'، فإن الديمقراطيين على استعداد لتقديم كل التنازلات التي يمكن تصورها.
إن أزمة الديمقراطية الأميركية التي طال أمدها تتفاقم كل ساعة. إن القضية الحاسمة ليست 'وحدة' الأمة، بل وحدة الطبقة العاملة، في الولايات المتحدة وعلى المستوى الدولي.
الحل الوحيد لأزمة الديمقراطية الأمريكية هو تدخل الطبقة العاملة من خلال العمل المستقل وعلى أساس مصالحها الخاصة، وبناء منظمات جديدة للنضال ودفع برنامج اشتراكي ثوري.