العربية

بروفيسور شون ماكميكين يحيي الافتراءات المعادية للينين التي فقدت مصداقيتها (الجزء الأول)

كجزء من سلسلة من المقالات الافتتاحية بمناسبة الذكرى المئوية للثورة الروسية، نشرت صحيفة نيويورك تايمز في طبعتها الصادرة في 19 يونيو مقالاً للبروفيسور شون ماكميكين من كلية بارد. لا يوجد مقال واحد في هذه السلسلة، يتأرجح بين التنديد بالثورة والاعتذارات الخجولة نيابة عنها، ساهم في فهم أحداث عام 1917. لكن مقال ماكميكين، الذي حمل عنوان 'هل كان لينين عميلاً ألمانياً؟'، هو بلا شك الأكثر شراسة، وبالتأكيد الأكثر غباءً.

استند المقال إلى كتاب ماكميكين المنشور مؤخراً، الثورة الروسية: تاريخ جديد. إن أفضل وصف لهذا الكتاب هو أنه من النوع الذي كان من الممكن أن ينتجه فرانكو في إسبانيا، أو بينوشيه في تشيلي، أو جيه إدغار هوفر في أميركا، عن الثورة الروسية لو كانوا قد خاضوا غمار 'كتابة التاريخ' في أوقات فراغهم. ولا يمكن وصف الكتاب بأنه عمل تاريخي لأن ماكميكين افتقر إلى المستوى اللازم من المعرفة والكفاءة المهنية واحترام الحقائق. إن كتاب ماكميكين ليس أكثر من تمرين في الدعاية المناهضة للشيوعية لن يتعلم منه أحد شيئاً.

لكن لماذا كتب هذا الكتاب؟ بعيداً عن إغراء المال السهل (فالأعمال المناهضة للشيوعية عادة ما تُطلَق وسط دعاية كبيرة ومراجعات إيجابية مضمونة في صحيفة نيويورك تايمز والعديد من المطبوعات الأخرى)، فإن ماكميكين لديه دافع سياسي. ففي بداية هذا العام كتب موقع الاشتراكية العالمية: 'ثمة شبح يطارد الرأسمالية العالمية هو شبح الثورة الروسية'. وماكميكين من بين أولئك الذين طاردهم شبح الثورة. فقد كتب في خاتمة الكتاب، التي حملت عنوان 'شبح الشيوعية'، أن الرأسمالية مهددة بسبب السخط الشعبي المتزايد، وأن جاذبية البلشفية آخذة في الارتفاع مرة أخرى. 'ومثل الأسلحة النووية التي ولدت في العصر الإيديولوجي الذي بدأ في عام 1917، فإن الحقيقة المحزنة بشأن اللينينية هي أنه بمجرد اختراعها، لا يمكن إلغاءها ، وسوف تظل التفاوتات الاجتماعية معنا دائماً، جنباً إلى جنب مع الدافع الحسن النية من جانب الاشتراكيين للقضاء عليها'. 'لذلك، فإن 'الميل اللينيني يكمن دائماً بين الطموحين والقسوة، وخاصة في أوقات الكساد أو الحرب اليائسة التي تبدو وكأنها تدعو إلى حلول أكثر جذرية'. ويتابع ماكميكين: 'إذا علمتنا المئة عام الأخيرة أي شيء، فهو أنه يتعين علينا تقوية دفاعاتنا ومقاومة الأنبياء المسلحين الذين يعدون بالكمال الاجتماعي'. [1]

ما قصده ماكميكين بدعوته إلى 'تقوية دفاعاتنا ومقاومة الأنبياء المسلحين' موضح في كتابه. إن الاستجابة الضرورية لتهديد الثورة هي قتل الثوار. زعم ماكميكين أن الخطأ السياسي الكبير في عام 1917 كان فشل كيرينسكي في إبادة البلاشفة جسدياً عندما سنحت الفرصة للقيام بذلك في يوليو 1917. وقد أتيحت الفرصة عندما تم 'اكتشاف' المعلومات، المفترض أنها أتثبتت أن الحزب البلشفي تلقى أموالاً من ألمانيا، وأن لينين كان، بالتالي، عميل للقيادة العليا الإمبراطورية.

وفي إحياء هذه الافتراءات التي مضى عليها قرن من الزمان، حاكي ماكميكين أسلوب الصحفيين اليمينيين الليبراليين أو الملكيين أو 'المئة السود' (الفاشيين الروس) الذين كانوا يكتبون للصحافة الصفراء المناهضة للشيوعية في عام 1917.

قبل الشروع في فحص إحياء ماكميكين لهذه الكذبة، يجب أن يقال شيء عن الكفاءة المهنية للمؤلف. وكما هو الحال بالنسبة للعديد من 'القوى' المعاصرة التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة النطاق حول التاريخ الثوري الروسي، يفتقر ماكميكين إلى أي معرفة أو فهم جدي لهذا المجال. ويتجلى مثال على جهله في رواية ماكميكين للانقسام الذي حدث عام 1903 في المؤتمر الثاني لحزب العمل الديمقراطي الاجتماعي الروسي (RSDLP)، و أدى إلى ظهور الفصيلين البلشفي والمنشفي. ويمكن القول إن هذا هو الحدث الأكثر أهمية في تاريخ الحركة الثورية الروسية قبل عام 1917، والذي يجب أن نضيف أنه كان له عواقب سياسية دولية بعيدة المدى. قدم ماكميكين الرواية التالية:

على النقيض من الاعتقاد الشائع، الذي تم شرحه في معظم كتب التاريخ، بأن الانقسام البلشفي - المنشفي الشهير في يوليو 1903 حدث لأن دعوة لينين لتشكيل كادر محترف من النخب (يُطلق عليه أحيانًا اسم الطليعة)، والتي حددها في كتيبه عام 1902 بعنوان 'ما العمل؟'، قوبلت بمعارضة من المناشفة الذين أرادوا مشاركة العمال الجماهيرية في الحزب، فإن الألعاب النارية الحقيقية في مؤتمر بروكسل أحاطت بالمسألة اليهودية. لم تتم مناقشة تنظيم الحزب حتى الجلسة العامة الرابعة عشرة. كان الهدف الرئيسي للينين في بروكسل هو إلحاق الهزيمة بالاستقلال الذاتي لليهود داخل الحزب. كانت حجته الفائزة هي أن اليهود ليسوا أمة حقًا، حيث لم يشتركوا في لغة مشتركة ولا في إقليم وطني مشترك. استاء مارتوف، مؤسس البوند، من هذا الأمر، وانسحب لتشكيل الفصيل المنشفي (الأقلية) الجديد. و تبعه كل الاشتراكيين اليهود تقريباً، ومن بينهم على وجه الخصوص ليف برونشتاين (تروتسكي)، وهو مثقف شاب من خيرسون، في جنوب أوكرانيا، درس في مدرسة ألمانية في أوديسا الكوزموبوليتانية، وهو ما ساعده على الاستعداد لقبول الماركسية الأوروبية. ونظراً لأن لينين عكس تقريباً حجج المعادين للسامية في روسيا، فليس من الصعب أن نفهم لماذا انضم مارتوف وتروتسكي وغيرهما من اليهود إلى المعارضة.[2]

المشكلة في هذه الرواية هي أنها كاذبة تماماً، سواء من حيث الحقائق أو التفسير السياسي. فبغض النظر عن تأريخه الخاطئ للانقسام (الذي حدث في أغسطس/آب وليس يوليو/تموز)، فإن ماكميكين اخترع، بهدف تشويه سمعة لينين بوصفه معادياً للسامية، رواية للقطيعة بين المناشفة والبلاشفة لا علاقة لها بالواقع التاريخي والسياسي. إن حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي لم ينقسم بسبب قضية البوند اليهودي. وبعيداً عن كونه 'مؤسساً' للبوند، ناهيك عن انسحابه من المؤتمر احتجاجاً على معارضة لينين لاستقلال البوند داخل الحزب، فإن مارتوف كتب قرار حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي الذي استفز البوند للانسحاب. وكانت معارضة مارتوف للاستقلال اليهودي داخل حزب العمال الثوري أكثر حدة من معارضة لينين. وكما كتب ليوبولد هايمسون، وهو الخبير الرائد في تاريخ المنشفية، في عمله العلمي المهم 'الماركسيون الروس وأصول البلشفية'، 'تصادم مارتوف بعنف مع ممثلي البوند عندما أثيرت هذه القضية في المؤتمر الثاني للحزب. وكانت نبرته الجدلية أكثر حدة خلال هذه المناقشات من نبرة أي عضو آخر في معسكره'. [3]

أما بالنسبة لادعاء ماكميكين بأن تروتسكي انسحب بدوره من مؤتمر عام 1903 لدعم مطلب البوند بالحكم الذاتي، فهذا عرض آخر لا يصدق للجهل. كان تروتسكي معارضاً عنيدا للبوند، وتُظهر محاضر المناقشات (المتوفرة باللغة الإنجليزية) أن تروتسكي تدخل مراراً وتكراراً لدعم قرار مارتوف.

وهذا ليس بالخطأ البسيط. فمن خلال تفاخره بأنه دحض 'الاعتقاد السائد' حول أصول انقسام عام 1903، أوضح ماكميكين افتقاره حتى إلى المعرفة الأولية بتاريخ الحركة الثورية الروسية. يمكن للمرء أن يفترض بأمان أن ماكميكين لم يقرأ عمل هايمسون الحيوي (لم يتم إدراجه في قائمة مراجع الكتاب)، أو وصف لينين التفصيلي للمؤتمر الثاني في خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء. وهو غير قادر على تحديد وشرح القضايا التي أثارت الانقسام البلشفي-المنشفي بشكل صحيح، حرم ماكميكين نفسه من أن يؤخذ على محمل الجد كمتخصص في التاريخ الاشتراكي الروسي.

إن معالجة ماكميكين للافتراءات التي وجهت ضد لينين والبلاشفة خلال موجة الثورة المضادة في يوليو-أغسطس 1917 تماشت مع مستواه الفكري المنحط. لا جديد في رواية ماكميكن عن 'الذهب الألماني'. لقد شرح المؤرخ البارز للثورة الروسية، ألكسندر رابينوفيتش، الخلفية السياسية للهجمات على لينين في كتابه 'مقدمة للثورة'، الذي نُشر عام 1968.

ربما حاولت الحكومة الألمانية تحويل الأموال إلى البلاشفة في عام 1917. ولكنها فعلت ذلك لأسباب خاصة بها، حيث تصورت أن المعارضة الاشتراكية للمشاركة الروسية في الحرب الإمبريالية من شأنها أن تضعف أحد أعدائها. هذه الجهود، التي لا تختلف بأي حال من الأحوال عن الجهود المماثلة التي بذلتها الحكومتان البريطانية والفرنسية للتأثير على اتجاه الأحداث الروسية، بُذلت دون مشاركة لينين في مخططات الحكومة الألمانية.

'ولكن لا يوجد دليل في أي مكان في الأدبيات الواسعة حول هذا الموضوع،' كما كتب رابينوفيتش في مقدمة الثورة، 'لا يبدو أن هناك أي دليل دعم الفرضية القائلة بأن سياسات أو تكتيكات لينين كانت بأي شكل من الأشكال موجهة أو حتى متأثرة بالألمان'. [4]

وليس من المستغرب أن ماكميكين لم يدرج كتاب رابينوفيتش، ضمن أهم الدراسات عن أحداث يوليو 1917، في قائمة مراجعه. لكن حكم رابينوفيتش يمثل الإجماع بين العلماء. لا يوجد أي مؤرخ جاد تعامل مع الاتهامات الموجهة ضد لينين إلا على أنها افتراء لا أكثر.

منذ لحظة عودة لينين إلى روسيا عبر ألمانيا، على متن “القطار المغلق”، حاول اليمين المناهض للثورة تصوير الزعيم البلشفي على أنه عميل للقيصر. وفي الأشهر الأولى من الثورة، لم يحظ هذا التشهير بأي دعم خارج الأوساط الليبرالية والفاشية. لقد كان من المفهوم جيداً أن إمكانية العودة السريعة لرجل معترف به على نطاق واسع من قبل العمال الروس كواحد من أكثر قادتهم شجاعة وتألقاً، تتطلب منه إيجاد أسرع طريق إلى بتروغراد الثورية. وبعد شهر واحد، استخدم مارتوف أيضاً الطريق الألمانية، بعد الكثير من التردد. ناهيك عن أن تجربة تروتسكي في شهري مارس وأبريل 1917 قدمت تأكيداً إضافياً لقرار لينين، إذ أُخرج تروتسكي، الذي سافر عبر المحيط الأطلسي من مدينة نيويورك، بالقوة من سفينته قبالة ساحل هاليفاكس من قبل السلطات البريطانية في محاولة لمنع عودة الثوري المخيف إلى روسيا، الذي اعتقد الكثيرون أنه 'أسوأ من لينين'، اعتقل البريطانيون تروتسكي في معسكر لأسرى الحرب لمدة شهر واحد. و تحت تأثير الاحتجاجات التي قام بها سوفييت بتروغراد، والمطالبة المترددة من قبل الحكومة المؤقتة بإطلاق سراحه، سُمح لتروتسكي أخيراً بمواصلة رحلة عودته إلى روسيا، و وصل بعد شهر واحد من وصول لينين.

تم إحياء الادعاء بأن لينين كان عميلاً لألمانيا في ذروة أيام يوليو (3-4 يوليو) كرد فعل من قبل ألكسندر كيرينسكي والحكومة المؤقتة واليمين الفاشي الذين خافوا التهديد بتمرد الطبقة العاملة. وعلى الرغم من أن الحزب البلشفي، الذي اعتقد أن التمرد سابق لأوانه، سعى إلى كبح جماح الطبقة العاملة، إلا أن الحكومة المؤقتة وحلفائها شنوا هجوماً مضاداً فظاً ضد لينين. استخدمت الصحافة اليمينية هذا الادعاء لخلق جو أشبه بجو مذبحة في بتروغراد. تم التعرف على الطابع القذر للافتراء ضد لينين. وكما ذكر نيكولاي سوخانوف في مذكراته:

وغني عن القول أنه لم يشك أحد من الأشخاص المرتبطين حقاً بالثورة ولو للحظة في سخافة هذه الشائعات (ضد لينين). ولكن، يا إلهي، ما هو الحديث الذي بدأ بين الأقلية، والمتطفلين، والجهلة العاديين من المدينة والريف. [5]

وصف سوخانوف بشكل مؤثر بيئة الأكاذيب والعنف التي اكتسب فيها الافتراء على لينين قوة مذهلة. و كتب باشمئزاز من 'مستوى انحطاط صحافتنا الليبرالية'، التي لم تدخر جهداً لتشويه سمعة لينين. وأشار إلى أنه لم يهتم أحد بدراسة الوثائق التي من المفترض أنها تدين لينين بأي قدر من العناية.

ولم ُنشر أي مواد أخرى على الإطلاق خلال الأيام التالية. لكن بالنسبة لفترة (رد الفعل السياسي) التي بدأت، كان هذا كافياً. ليست هناك حاجة لاقتباسات لكي يتخيل المرء رقصة الحرب التي بدأت في الصحافة البرجوازية، استناداً إلى دليل على فساد لينين. لا شك أن الشرطة السرية القيصرية والعملاء الحقيقيين لهيئة الأركان العامة الألمانية كانوا يحاولون اللعب على وتر اضطرابات يوليو. حاولت كل أنواع الحثالة في العاصمة استغلال الارتباك والتشويش والمشاجرات والتغيرات في الحالة المزاجية في اليوم السابق. لكن بالطبع كان البلاشفة هم الذين أُعلنوا بالإجماع أنهم مرتكبو جميع الجرائم. وفي الخامس من يوليو، وهو اليوم الأول للردة الرجعية، امتلأت 'الصحافة الكبرى' بحملة اضطهاد البلاشفة. [6]

في تقريره المفعم بالحيوية والمدروس جيداً الذي نشر مؤخراً عن الثورة، وحمل عنوان أكتوبر، لخص تشاينا ميفيل القضية ضد لينين:

استندت التفاصيل البيزنطية للافتراء إلى قول الملازم يرمولينكو والتاجر ز.بورستين. وزعم الأخير أن شبكة تجسس ألمانية في ستوكهولم، ترأسها المنظر الماركسي الذي تحول إلى وطني ألماني بارفوس، حافظت على اتصالات بلشفية. من جانبه، ادعى يرمولينكو أن هيئة الأركان العامة الألمانية أخبرته بدور لينين، وحين كان يرمولينكو أسير حرب حاول هؤلاء الألمان (وفقاً لسلسلة معقدة من الهويات الخاطئة) تجنيده. وهو ما قال إنه أعطاهم في النهاية الانطباع الذي نجحوا فيه.

وكانت هذه الادعاءات عبارة عن مجموعة متشابكة من الكذب والاختراع والتحيز. كان يرمولينكو شخصية غريبة، وفي أحسن الأحوال كان صاحب خيال واسع، ففي حين وصف حتى المسؤولون الحكوميون عنه بورستين بأنه غير جدير بالثقة على الإطلاق. تم إعداد الملف على يد بلشفي سابق شعر بالمرارة، يُدعى أليكسينسكي، وكان معروفاً بالميل إلى الإثارة والحقد لدرجة أنه مُنع من دخول السوفييت. صدق عدد قليل من الأشخاص الجادين، حتى من اليمين، أياً من هذه الأشياء للحظة، وهو ما يفسر سبب غضب بعض اليمينيين الأقل إهانة أو الأكثر حذراً من Zhivoe slovo (الكلمة الحية، الصحيفة اليمينية التي أطلقت حملة التشهير). [7]

إن كتاب ماكميكين ومقالة نيويورك تايمز ليسا سوى تمرين محدث، إذا استخدمنا تعبير ميفيل اللاذع، 'الإثارة القذرة'. تضمنت مقالته في هذا المشروب ذو الرائحة الكريهة كتلة من الادعاءات الاحتيالية.

وبعد محاولة الانقلاب الثانية، المعروفة باسم أيام يوليو، اتُهم لينين و10 بلاشفة آخرين بـ 'الخيانة والتمرد المسلح المنظم'. تقدم العشرات من الشهود للإدلاء بشهاداتهم حول التحويلات البرقية من ستوكهولم، وغسل الأموال عبر شركة استيراد ألمانية، والتمويل الألماني لصحيفة برافدا البلشفية (بما في ذلك الإصدارات التي استهدفت قوات الخطوط الأمامية)، والأسعار الجارية لرفع اللافتات البلشفية في الشوارع. احتجاجات الشوارع (10 روبل) أو للقتال في الحرس الأحمر (40 روبل في اليوم). وخلال فرار لينين إلى فنلندا، قُبض على معظم رفاقه. أُعد المسرح لمحاكمة استعراضية مذهلة.[8]

وفي الواقع، لم تستعد الحكومة المؤقتة لإجراء 'محاكمة استعراضية مذهلة'. بل ستخدمت حملة التشهير لخلق بيئة يمكن فيها قتل لينين، إذا وقع في أيدي الجيش والبلطجية الفاشيين الذين طاردوه، حتى قبل أن يصل إلى مركز الشرطة. وفي عربدة ردود الفعل التي أعقبت أيام يوليو/تموز، تعرض اليسار السياسي برمته للهجوم.

كتب ميفيل: 'لم يكن البلاشفة وحدهم من كان لديهم سبب للخوف'. إذ جال 'الحراس الساديون' من جماعة المئة السود الفاشيين ' الشوارع، واقتحموا المنازل بحثاً عن 'الخونة' و'مثيري الشغب'.[9] وكان اليهود معرضين للخطر بشكل خاص. 'الأمر الأكثر خطورة في جميع أنحاء البلاد كان الصعود المؤكد لمرتكبي المذابح اليمينية المتطرفة والمعادية للسامية. قامت مجموعة تدعى روسيا المقدسة بإصدار صحيفة جروزا، العاصفة الرعدية، التي نشرت دعوات متكررة للعنف. وهاجم المحرضون اليهود في زوايا الشوارع. [10]

قدم ماكميكين في كتابه، هذا التلخيص المؤيد للوضع السياسي في أعقاب أيام يوليو: ' سُحقت انتفاضة يسارية متطرفة للتو بسبب حشد المشاعر الوطنية ضد الخيانة البلشفية'. [11]

إن الاحتيال الأساسي في قلب كتاب ومقال ماكميكين هو ربطه بين معارضة لينين الاشتراكية المبدئية للحرب الإمبريالية، والتي استندت إلى المواقف السياسية للأممية الثانية قبل عام 1914 بالخيانة المناهضة لروسيا التي قام بها عميل ألماني.

فهو كتب كقومي فاشي روسي، وقال: 'إن ما ميز لينين عن زملائه الاشتراكيين الروس هو معارضته المتعصبة للحرب ودعمه لاستقلال أوكرانيا، وهو الهدف الرئيسي للقوى المركزية'.[12] إذن، إليكم الأمر: إن التزام لينين بالقرارات المناهضة للحرب التي أقرتها الأممية الثانية في شتوتغارت عام 1907، وكوبنهاغن عام 1910 وبازل عام 1912، جعله شريكاً للقوى المركزية! وبالمثل، فإن دفاع لينين عن حق الأمم في تقرير مصيرها، والذي كان عنصرا أساسيا في برنامج البلاشفة قبل الحرب، ورطه باعتباره عميلا لألمانيا!

واستشهد ماكميكين ببيان لينين عام 1915 بعنوان 'الاشتراكية والحرب'، الذي قدم برنامج الانهزامية الثورية، كمثال آخر على خيانته. فشل ماكمايكين في الإشارة إلى أن هذا الكتيب، مثل العديد من الوثائق الرئيسية الأخرى التي كتبها لينين بين عامي 1914 و1917، أدان في المقام الاول خيانة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني المتمثل بدعم حكومة بلاده في الحرب. كان موقف لينين هو أنه يجب على جميع الاشتراكيين معارضة أهداف حكومتهم الإمبريالية من الحرب والعمل من أجل هزيمتها، ولكن ليس من خلال التخريب، كما أشار ماكميكين، ولكن من خلال تطوير الدعاية المناهضة للحرب بين الجنود والطبقة العاملة.

وفي مثال مزعوم آخر عن دور لينين كعميل ألماني، كتب ماكميكين: 'ولم يخف لينين وجهات نظره المناهضة للحرب بعد عودته إلى روسيا'.[13] لا، بالتأكيد لم يفعل ذلك. بعد عودته إلى روسيا، ناضل لينين من أجل البرنامج الأممي المناهض للحرب الذي طرحه في مؤتمر زيمروالد في سبتمبر 1915.

على غرار كتابه، قدم مقال ماكميكين 'أيام يوليو' كفرصة ضائعة. فخلال 'شهر الافتراء الكبير'، كما وصف تروتسكي بشكل مناسب يوليو 1917، أمر كيرينسكي باعتقال البلاشفة. لكنه فشل في القضاء عليهم. وعندما أطلق الجنرال القيصري كورنيلوف انقلابه الفاشي في أغسطس/آب، تحول كيرينسكي إلى اليسار طلباً للدعم. 'في خطوة قصيرة النظر، سمح كيرينسكي للمنظمة العسكرية البلشفية بإعادة التسلح، وبالتالي حصلوا على الأسلحة التي سيستخدمونها للإطاحة به بعد شهرين'.[14]

وهكذا، وبسبب 'التحرك القصير النظر' الذي قام به كيرينسكي، لم يُمنح كورنيلوف الفرصة لاحتلال بتروغراد وذبح عشرات الآلاف من العمال. ولا يخفي ماكمايكين في كتابه خيبة أمله من خطأ كيرينسكي. وتساءل قائلاً: 'ما الذي دار في خلد كيرينسكي بحق السماء؟'. 15]]

كشفت خاتمة مقال ماكميكين عن نوع من التوتر السياسي إذ كتب:

وخلافاً لروسيا في عام 1917، فإن حكومات القوى العظمى اليوم، سواء في واشنطن أو باريس أو برلين أو موسكو، أصبحت أكثر رسوخاً من أن تقع فريسة للينين. أو هكذا يجب أن نأمل.[16]

إن الدرس المستفاد من الثورة الروسية، بالنسبة لماكميكين، واضح: يجب القضاء على الثوريين. ويجب ألا يتكرر 'خطأ' يوليو 1917. ولكن قبل وقت طويل من ماكميكين، تعلمت البرجوازية درس عام 1917. ففي يناير/كانون الثاني من عام 1919، اغتالت القوات شبه العسكرية الفاشية، بدعم من الحكومة الاشتراكية الديمقراطية، الزعيمين البارزين للثورة الألمانية، روزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنخت.

على الرغم من الافتراءات التي حدثت في يوليو 1917 والعنف المضاد للثورة الذي أعقب ذلك، تعافى البلاشفة بسرعة. فخلال شهري أغسطس وسبتمبر، شهد الحزب البلشفي نمواً هائلاً. رفضت الجماهير الاتهامات الموجهة ضد لينين واعتبرتها أكاذيب. وهذا أيضاً هو حكم التاريخ، ولن يتغير هذا بجهود البروفيسور ماكميكين لإثارة هذا الهراء.

***

[1] Sean McMeekin, The Russian Revolution: A New History (New York: Basic Books, 2017), pp. 351–52.

[2] Ibid, pp. 22–23, Emphasis added.

[3] Leopold H. Haimson B, The Russian Marxists and the Origins of Bolshevism (Boston: Beacon Press, 1955, p. 64.

[4] Alexander Rabinovich, Prelude to Revolution, (Bloomington: Indiana University Press, 1968, p. 286.

[5] N. N. Sukhanov, The Russian Revolution 1917, edited by Joel Carmichael (New York: Harper Torchbook, 1962), pp. 453–54.

[6] Ibid, p. 459.

[7] China Miéville, October: The Story of the Russian Revolution, (London: Verso, 2017), pp. 185–86.

[8] Sean McKeekin, New York Times, June 19, 2017.

[9] Mieville, p. 186.

[10] Ibid, p. 192.

[11] McKeekin, The Russian Revolution, p. 179.

[12] Sean McKeekin, New York Times, June 19, 2017.

[13] Ibid.

[14] Ibid.

[15] McKeekin, The Russian Revolution, p. 198.

[16] Sean McKeekin, New York Times, June 19, 2017.

Loading